الاثنين، 9 ديسمبر 2019

قصة الحب والجنون


حكاية قديمة عن الحب والجنون.
كان في زمن ما قبل الزمن للمشاعر أجسام مادية بجانب حضورها المعنوي، فكنت تستطيع أن ترى الحب والكراهية التفاؤل والامل التشاؤم والحسد وهكذا جميع المشاعر كان لها وجود مادي.
المهم أن الحب والجنون كانا صديقين حميمين يقضيان أغلب اوقاتهما معا ولا يفترقان إلا في نهاية اليوم، فكانت لهما العديد من الصولات والجولات، وكان وجودهما الدائم سويا أكبر باعث لأحدهم كي يراقبها بغير رضى، وكما توقعتم كان هذا المراقب هذا هو الحسد.
كان الحسد من أشد المعجبين بصداقة الحب والجنون ولكنه في ذات الوقت كان يتمنى لو أنه أصبح هو الصديق الثالث لهذا الثنائي الرائع وعندما حاول التقرب منهما أخذ الحب في التنصل من الحسد بنعومة وبروية يريد أن يبعده بهدوء ودون مشاكل ولكن لما أصر الحسد على مرافقة الصديقين انفجر فيه الجنون صائحا ومهددا إياه بالصور وعظائم الامور لو لم يتركهما في حالهما.
ومن ساعتها والحسد لا يكف عن حسد الصديقين على صداقتهما وتمني زوال هذه الصداقة.
وذات يوم بينما الحسد يراقب الصديقين وهما يلهوان في نهر النيل بدأ الجنون يرش صديقه الحب برذاذ الماء بقوة ولكن دونما أذى، استغل الفرصة الحسد وظهر لهما وبحكمة ظاهرة وخبث خفي نصح الجنون أن يكف عن نزقه وإلا أصاب صديقه بأذى، جن الجنون لم وجد الحسد داخلا بينه وبين صديقه فأخذ يهدده أنه سوف يؤذيه لو لم يختفي من أمامه في الحال، تظاهر الحسد بالانكسار والزعل من أثر كلمات الجنون بل إنه بلل لحيته بدموع التماسيح ما استفز الحب ليدافع عن الحسد الذي أتاهما ناصحا فزجره الجنون وأهانه.
ولم يتوقف الأمر عند أن يكون خلافا في وجهات النظر بل تطور الشقاق بين الصديقين حتى أضحى تلاسن والتلاسن أفضى لتشاحن والتشاحن أدى لشجار وكان الشجار عنيفا أراد الحب حسمه منذ البداية فرفع صديق الامس/عدو اليوم الجنون - وكان خفيف الوزن رغم جنونه- من وسطه ودار به دورتين في الهواء ثم هوى به على صخرة ناتئة من الأرض فشجت رأس الجنون وزاد جنونه حتى لقد استعرت النار في عينيه بالغضب - حقا لا تشبيها - فأخذ يلتقط الحجارة والأغصان الجافة وقضبان الحديد وقطع الصخور وكل شيء من الأرض ويرمي به صديق الامس/عدو اليوم حتى أنه رماها لأكثر من مائة شيء في أقل من دقيقة ولم يكن كل هؤلاء يؤذي الحب فقد كان فارع الطول ذي بسطة في الجسم إلا أنه كان منا التقطه الحنون من الأرض إبرة كبيرة ما إن رماها الجنون على عين الحب حتى فقأتها وصاح الحب صيحة عظيمة يتألم وينعي عينه الضائعة.
وبعدها مثل الاثنان الحب والجنون أمام المحكمة وحكم القاضي بأن يظل الجنون يقود خطى الحب الاعمى طوال حياته تكفيرا عما فعله في صديقه.
وصارت الحياة من وقتها الحب أعمى يقوده الجنون.
تمت

الجمعة، 4 أكتوبر 2019

365 كرسي خشب أثري



365 - كرسي خشب أثري

تحكيها الدكتورة نيهال العسال

الجمعة 4 يناير 2019

كنت جالسة بالاستقبال أطالع حظك اليوم في تلك المجلة الأسبوعية اللامعة – برغم معرفتي التامة بحظي اليوم وكل الأيام – وثمة مقال يتحدث عن يوم الاستقلال في بورما الذي يوافق اليوم!، وأحدهم يتكلم في التليفيزيون عن درجات الحرارة المنخفضة هذه الايام على غير العادة والذي جعلني أفكر أن من وضعوا جملة دافيء ممطر شتاء للإشارة للمناخ في مصر بالتأكيد لم يكونوا يعرفون عما يتحدثون بالضبط وبدأت سلسة من التداعيات الفكرية في ذهني تسخر من فكرة من فكرة أن جو مصر دافيء شتاء، وإلا فما السبب في هذا الزمهرير الذي نشعر به جميعا ولم تدنو الساعة بعد من التاسعة مساء.

تستطيعون أن تعتبرونني من الشخصيات العملية، لا أتعامل مع الدنيا إلا كواقع وأرقام وحسابات مجرد معادلة كبيرة، حتى المشاعر والأحاسيس صارت جزء من هذه المعادلة، لذلك في كل الأيام كنت أفضل نوبتجية الليل فالجو دائما هاديء ساكن ومعظم نزلاء المستشفى إما نيام أو مشغولون بأنفسهم، كذا موظف الاستقبال نائم في هدوء على الكاونتر قبالتي، ولو مرت الأمور كالمعتاد فلن يحدث أي شيء وسوسف أقضي الليل في القراءة ومشاهدة التيلفيزيون حتى يطلع الصباح فأذهب لبيتي الصغير لأرتاح وأغط في نوم عميق ثم أصحو قرب العصر ابدأ طقوس الاستعداد ليوم عمل جديد، وهذه – كما ترون – حياة بسيطة خالية من أي مشكلات أو مشاعر، وهكذا هي دائما حياة السناجل!

لكنني لاحظت أثناء جلوسي طرقا خفيفا متصلا على النافذة الزجاجية المجاورة فنظرت من مكاني لأرى ما الذي يطرق الزجاج فلم أرى أي شيء بالخارج فاقتربت لأحدق بتركيز عبر الزجاج الشفاف ورأيت أحدهم يقف على مبعدة من النافذة بحوالي متر يطرق على الزجاج وعندما رآني أشار ناحية الباب إشارة معناها (افتحي لي الباب) وكان رجلا عجوزا في السبعين بتقديري، فذهبت فورا وفتحت الباب لأستقبله وفور أن فتحت الباب شعرت كما لوكانت ريح باردة قد هبت في وجهي وجمدت جسدي بالكامل، وقبل أن أفيق من صدمة التجميد وجدت أنني أجلس على الكنبة ومازلت أمسك في يدي تلك المجلة اللامعة ومازال الرجل السخيف في التليفيزيون يتحدث عن درجات الحرارة المنخفضة هذه الايام على غير العادة، فكرت للحظات أن ما حدث مجرد حلم غفوة بسيطة دامت لثوان ثم حلم ثم عودة مرة أخرى للواقع وربما هي ظاهرة الديجافو التي يتأخر وصول الدم فيها للفص الأيمن من المخ عن الأيسر فتصبح الأمور مختلطة بين الواقع والذكرى، ولكن ما أكد لي أن ما حدث قد حدث فعلا أنه كان جالسا أمامي بكامل هندامه وشيبه وهيئته السبعينية.

بدأ معي الكلام فورا ودون مقدمات:"كما ترين يا دكتورة نيهال، إن لدي القدرة أن أتواجد متى أحب وقتما أحب وحيثما أحب." وهممت أن أعترض على الكلام وأسأله عن سبب هذا الاقتحام الغير لائق وربما كنت سأهدده بطلب الشرطة، ولكنه سبقني وقال:"اسمعيني أولا أنا لم آتي هنا لأؤذيك بل أنا هنا في مهمة لمساعدة صديق، وكل ما أطلبه منك هو مجرد حكاية، حكاية تحكينها ثم لك مطلق الحرية أن تفعلي ما تشائين،وقبل أن تردي علي بالقبول أو الرفض أحب أن اتلو على مسامعك بعض المعلومات التي ربما تساعدك على اتخاذ قرارك، أنت الدكتورة نيهال عيسوي العسال من مواليد الشرقية قرية كفر بدر ابو كبير اباك توفي منذ أن كنت في الثانوية العامة لك أختك وزوجها هاجرا وتركا مصر منذ سنين تقيم أمك مع خالتك في الدقي منذ أن بدأت أنت دراسة الطب وثم بعد ذلك العمل في هذه المصحة، والمعلومة الاكثر إفادة أنني أعرف عنك كل شيء دراستك وايام التكليف وحبك لمجدي وتعلقك بشريف وزواجما السري الذي لم يدم لأكثر من شهرين.."
عند هذه النقطة قاطعته وماتزال في يدي المجلة اللامعة والتليفيزيون يتحدثون فيه بسخافة عن الحرارة التي انخفضت على غير العادة وقلت:"حسنا يا جدو ، حسبك لا تكمل لقد اقتنعت بفكرتك." ثم نظرت لموظف الاستقبال النائم قبالتنا على الكاونتر، فنظر له الرل السبعيني وهو يقول :"لا تقلقي إن محسن قد أفرط في أكل المحشو في العشاء الليلة وأمامه على الأقل ساعتين قبل أن ينتبه من غفوته القصيرة." فنظرت له وأنا أقول:"أنا لا أعرف كيف حصلت على كل هذه المعلومات ولكن إذا كانت هذه محاولة من ..." قاطعني قائلا:"من شريف ؟ لا بالطبع الموضوع أكبر من ذلك وأعقد." فنظرت له في خوف وقد جال بذهني لأول مرة أن ما يحدث غير طبيعي وغير خاضع للقوانين البشرية ثم سألته:" ولكن لمن سأحكي حكايتي؟" فاسترخى في جلسته على الفوتيه الوثير وهو يقول:"وهل هذا سؤال..سوف تحكين لي طبعا."وبدأت أحكي

*************************
"لما كنا اطفال صغيرين أنا و أختي سماح اسرتنا اتنقلت لبيت ريفي قديم في بنها العسل، بابا كان دائما بيقول أنه السبب الرئيسي اللي خلاه يشتري البيت ده بجانب رخص ثمنه أنه مبني على النمط الاوروبي وده كان ملفت جدا في فترة التسعينات وكان شيء ملفت ومختلف عن بقيت البيوت اللي كنا نعرفها.
البيت كان دورين الدور الارضي كان عبارة عن صالة واسعة جدا ومجموعة غرف للخدم والخزين ومطبخ وحمام، والدور الثاني كان فيه صالة صغيرة وخمس غرف كبيرة عمرنا ما استخدمنا كل الغرف طول فترة اقامتنا في البيت رغم أنه كل الغرف كانت ليها ديكور جميل وكل غرفة كان فيها بلكونة الا اننا انا واختي كنا متعودين دايما نلعب في الصالة اللي في الدور الأول وكانت اكتر حاجة ملفتة في البيت بالنسبة لنا - انا واختي - شبح لطيف كان بيظهر لنا كل يوم تقريبا وبقول إنه كان لطيف لأنها كانت ست دائما لابسة عباية لونها ابيض وكانت دائما تبتسم لينا لما بتشوفنا بنلعب وبعدين تشوف الكرسي فين وتروح تقعد عليه.
الكرسي ده برضه كانت حكايته حكاية بابا كان شايف أنه تحفة أثرية وكذا مرة عرضه على حد من صحابه عشان يعرف الفترة التاريخية للكرسي لكن محدش قدر يجزم هو مصنوع في اي فترة بالظبط، فقد اختلفت الآراء حول الكرسي في اللي قال إن الكرسي من فترة المماليك وغيرهم جزموا برضه أن الكرسي من فترة الاتراك وفيه اللي قال لبابا أن الكرسي ده من عصر سيدنا سليمان وأنه له قوى خفية سحرية.
المهم أنه محدش خالص قدر يشوف الشبح اللطيف اللي كان مش بيفارقنا واللي كانت بتتعامل معانا بكل حب لدرجة إن اختي كانت بتقول عليها ماما!
قعدنا في البيت اربع سنين لغاية لما بابا اتوفى وماما فضلت تراعينا في البيت طول السنين دي لدرجة إني احيانا كنت بصحى من النوم عشان اشرب الاقي جنبي كوباية مية وأنا متأكد إن ماما الشبح هي اللي حطاها جنبي عشان مانزلش المطبخ بالليل لوحدي.
بعدها سبنا البيت وبناء على رغبة أمي روحنا تاني نعيش في القاهرة جنب خالي محمد وفي يوم بعد مرور أكثر من خمستاشر سنة على القصة دي وانا قاعدة على الانترنت شوفت جروب عالفيس بوك بيعرض صور من جرايد ومجلات قديمة لفت نظري صورة للبيت اللي كنا فيه من جرنان قديم من الأربعينات ولما قريت الموضوع عرفت أن البيت ده كان مملوك لراجل انجليزي ومراته وكان عنده طفلين ولد وبنت وفيوم الست عرفت أنه جوزها بيخونها وقررت انها تنتقم منه راحت أعطت للولد والبنت كل واحد كوباية لبن مخلوطة بالسم وبعدين نزلت في الصالة وشنقت نفسها بعد ما وقفت على الكرسي .. الكرسي الخشب الاثري."
*****************
عندما انتهت الدكتورة نيهال من حكايتها نظرت لها وقلت:"الآن نتعرف، أنا إبراهيم جمال وأنا موفد من قبل صديق لإنقاذ أحد النزلاء هنا بالمصحة وهو بالمناسبة صديق، وسوف يكون لنا لقاء قريب يا دكتورة نيهال." ثم نهضت من الكرسي الوثير وأخذت عصاي أتوكأ عليها ثم فتحت الباب وخرجت، في ذلك الوقت كان فهمي في غرفته يتابع الحدث من بعيد وهو سعيد.

وكانت هذه حكاية الدكتورة نيهال
*************************
ثم كان الكلام:
ترى هل حاز الكلام على الاهتمام
ترى هل من مخرج لشقي أعرج
هل أرضاكم الكلام يا سادة الظلام
******
وكان رد الليدي فلافيا:
سنرى كيف تجاوبك أيها الفاني
ولا تستعد بروحك للفرح أو التهاني
فكل داخل لعالمنا مفقود
حتى وإن كافح لعقود
الى الغد لقاءنا إذن يا فاني.

الأحد، 29 سبتمبر 2019

كلب آل همام

365

الخميس 3 يناير 2019

صوت التلفاز كان أعلى كثيرا من المعتاد ذلك الصباح في صالة الاستقبال بمستشفى عكاشة للأمراض النفسية بالقاهرة ولكن -برغم أننا مازلنا في ساعات الصباح الأولى- لم يكن هناك أي من عاملي الاستقبال أو الأطباء أو حتى مساعدي الأطباء والممرضين فقد كان الجميع بلا استثناء مجتمعين أمام باب سراج باشا.
وكان التلفاز مازال يذيع مواد إخبارية:
"والآن نقدم توقعات حالة الجو فى مصر وبعض الدول العربية اليوم الخميس ، حيث يتوقع خبراء هيئة الأرصاد الجوية أن يسود طقس مائل للبرودة على شمال البلاد حتى شمال الصعيد معتدل على جنوب الصعيد نهارا شديد البرودة ليلا، كما يتوقع الخبراء أن يتكون الصقيع  على المزروعات فى وسط سيناء، وتتكون الشبورة على..."

قبل أن أذهب بكم لنرى ما هنالك دعوني أعرفكم بنزيل مستشفى عكاشة سراج باشا والمسجل في سجلات المستشفى باسم سراج الدين محمد خورشيد وقد اكتسب اسمه سراج باشا من تعاملاته الراقية مع كل العاملين والنزلاء وملابسه الكلاسيكية المميزة فقد كان دوما حريص على ارتداء الروب دي شامبر أعلى البيجاما مع الخفين الانيقين مع لبس البذلة الكاملة في أيام الزيارات وصلاة الجمعة، وتراه دوما صامتا يقرأ ويدخن البايب -في الواقع أغلب الوقت هو يحشوه أو ينظفه!- بالإضافة لحرصه الشديد على حلاقة لحيته وتهذيب شاربه بشكل يومي، ويمكنني أن أصفه لك باختصار بأنه شبيه ب البرنس أحمد مظهر في فيلم الأيدي الناعمة!

لكن الغريب والمثير للإنتباه أن سراج باشا وقف اليوم بالبذلة الكاملة المكوية والحذاء اللامع وقد وقف في ممر الغرف أعلى مكتب المشرف المناوب وهو يرفع عقيرته بالكلام -مثل حسين رياض في فيلم وااسلاماه- على غير العادة.

كما اخبرتكم لقد كانوا كلهم يرفلون في النعيم إلى أن قرروا التخلص من الكلب الذي كان يحميهم ويقدم لهم كل ما يحتاجونه ولكنهم بطروا النعمة واجتمعوا في أحد أيام الصيف القائظ بإيعاز من سامي همام رأس الفتنة في البيت الكبير عقب العودة من المحجر، كان كل رجال آل همام هناك سامي ومحسن وزكريا وحسام وعلي وحتى محمد الولد الصغير ابن يسرا همام كلهم كانوا مجتمعين لبحث أمر الكلب وبدأ الكلام سامي الذي كان مثل الثعبان بكلامه مثل الفحيح بملابسه الفخمة الناعمة بألوانها الداكنة وسحنته القاتمة وسيجارته الروسية ذات الرائحة الكريهة وأخذ يعدد الحوادث التي هاجم فيها الكلب الغرباء وبالطبع ذكر المرة التي راح ضحيتها ذراع ابن العمدة السابق والذي لولا أن جدهم همام نفسه كان حيا لكان العمدة أخرجهم من القرية جزاء لفعلة الكلب.
وبدأ علي يدافع عن الكلب ولكن على استحياء ثم قال حسام همام:" لكن جدي كان يحب هذا الكلب كثيرا.." وحسام على الرغم من صغر سنه فهو معروف بالعقل الراجح والمنطق السليم، لكن كان من الواضح أن سامي قد كسب في صفه كلا من زكريا و محسن فسكتا ولم يعضدا كلام حسام أو علي واتجهت الأنظار إلى محمد يريدون أن يعرفوا هل هو مع أم ضد قتل الكلب، لكنه نظر لهم باستغراب وانصرف.
*******
"ولماذا يقتلون الكلب يا محمد؟"
كذا تساءلت يسرا وهي تحضر طاولة الغداء فأجابها محمد بكلمة واحدة "المحجر!" كلمة كانت كافية لها لتفهم ولتتذكر أنه لولا وفاة ابيها لما كان حدث أي شيء من هذا، كانت في الماضي تظن أن أباها لن يموت أبدا بل سيدفنهم جميعا هم وأبنائهم من بعدهم ولكنه فاجأ الجميع ومات!

في إحدى الليالي ذهب يتابع العمل بالمحجر على فرسه ويرافقه كلبه فقط كما كان يفعل منذ عشرات السنين ثم في الصباح لف الصمت كل أنحاء القرية فقد كانت الجثة قادمة محمولة على الفرس ومضرجة بالدماء وكلما رأى الجثة أحد الفلاحين ترك ما في يده وذهب خلف الفرس حتى تحولت المسيرة لموكب عظيم ضم أكثر رجال البلد يمشون خلف جثة حسن همام.

هي لم تر الجثة قط لكنها سمعت بما حدث لها من تشوهات وعندما سألتها الشرطة إذا ما كانت توجه التهمة لأحد؟ فكرت في الكثيرين الذين أذاهم أباها ولكنها تذكرت أيضا أنه ما من أحد من هؤلاء يستطيع أو يجروء على قتل حسن همام!!

وبعدها بيومين عاد الكلب في جسده عشرات الجروح لكنه كان حيا واعتنى به حسام من ساعتها وأصبح الكلب مرافقه الوفي من بعد أن كان مرافقا للجد.

وإذا ب سامي الآن يريد قتل الكلب زعما منه أن هذا أأمن للعمل حتى تقل ضغائن الناس ضدهم! بالطبع لم يذكر حقيقة كان الجميع يعرفونها وهي أن كلب همام منذ مقتل الجد لم يسمح ل سامي همام بالدخول إلى المحجر ولو لمرة واحدة حتى أنه في احدى المرات عقر ساقه فعلا!
*********
هناك مزايا عديدة لسكن العائلة كلها في بيت ومحيط واحد ولكن أيضا هناك العديد من العيوب ومن هذه العيوب إذا قرر أحدهم قتل أحد آل همام فكان عليه أن يواجه كلب آل همام وها نحن نرى قاتل ينتظر في الظلام أن ينام آل همام لكي يقتل أحدهم وفي جنح الليل انسل القاتل تجاه غرفة الهدف وفتحها بكل هدوء كمن يعرف الدار جيدا ثم اقترب من السرير وأخذ ينظر لثوان ل علي همام ثم عندما تأكد من انتظام انفاس النائم وضع يده في جيبه وأخرج القاتل سكينه من جيبه متأهبا لقتل علي النائم في سكينة أمامه ولكنه أجفل لما سمع  زمجرة خفيضة!

في الصباح كانت جثة القاتل ماتزال راقدة بجوار سرير علي همام معقورة الرقبة تنظر للسقف في نظرة غير ذات معنى.
*******
بعد مقتل القاتل ذهب حسام الى مصطفى الشاعر الصديق الأوحد لجده ملتمسا عنده النصيحة هل يستمع لكلام سامي ويقتل الكلب ام ماذا يفعل؟
طبعا لا تقتله، هذا الكلب عمره اكثر من سبعة وثلاثون عاما وهو حالة نادرة بين الكلاب وقد كان خير رفيق لجدك حتى النهاية، فلا تجازي الاحسان بغير الاحسان، كما أنه كان الحيوان المفضل لجدك، فقال له حسام "أظنه من سلالة نادرة، فلم أر ولن أر مثله ابدا"
فقال عم مصطفى مؤمنا على كلام حسام "نعم يا بني هو من سلالة نادرة وهو آخرها ربما.. وقد لقيه جدك في الجبل إبان إقامة المحجر القديم في دراو اصدقك القول لطالما قلت لهمام أن هذا الكلب ليس كلب بل ربما شيء آخر."
ثم اقترب من حسام وهو يخفض صوته قائلاً بلهجة ذات معنى:"كما أنه الباقي من رائحة المرحوم فحافظ عليه."
ثم  اقترب منه مرة أخرى كما لو كان سيقول
شيئاً ثم عدل القول ورحب لحسام قائلاً:"نورتنا يا حسام بك."
********
في المساء تعالت أصوات ابناء همام ونفس الخلاف الدائر هل يقتلون الكلب أم لا ولكن كانت معهم يسرا همام واعترضت بشدة بل واجهت عمها سامي بشكوكها في أنه اكترى قاتل ليقتل أباها وأمها ليخلو له الجو ويستأثر بالمحجر والثروات التي تأتي منه، ولم يسكت سامي هو الآخر فقد اتهمهم بأنهم يتعمدون إبعاده عن المحجر ويخططون للاستيلاء عليه برغم أنه له نصف المحجر شرعا وقانونا وعندما غضب الجميع منه وواجهوه بأن المحجر ملك العائلة كلها كما قال جدهم أكثر من مرة فاجأهم بأن أخرج سلاحه البيريتا من جيبه ومعه اوراق وقال:"حسنا يا ابناء همام.. سوف تقومون الآن بالتوقيع على عقد البيع للمحجر الجديد والقديم والبيت."
نظر الجميع لبعضهم البعض في صمت ثم قفز حسام على عمه سامي يريد أن يجرده من سلاحه ولكن رصاصة البيريتا كانت اسرع فوقع على الأرض ينزف من صدره وفوجيء الجميع برجال سامي يقتحمون المجلس بأسلحتهم ليؤمنوا سامي همام، حينها قال سامي بلهجة المنتصروهو يعاود الجلوس على الكنبة الكبيرة حيث اعتاد جدهم الجلوس:"أحب أن اعرفكم أن رجالي يحيطون بالبيت..لذا حفاظا على حياة بقيتكم دعونا ننس ما حدث ونكمل كلامنا..  سوف توقعون لي عقود البيع الآن ثم نسجلها في الغد بكوم امبو..هاه ما قولكم؟"

اختلفت الروايات فيما حدث بعد ذلك فهناك من يقول أن هناك جنود من الجن فتكوا برجال سامي همام وهناك من يقولون أن روح حسن همام تولت الدفاع عن أبناءه وهناك من يدعون أن الكلب وحده فتك بعشرة رجال في أقل من عشر ثوان ثم قضم حنجرة سامي همام.
وعلى الفور خرج علي همام ليأتي بالنجدة ومن الخارج دخل الرجال ليفاجأوا برفاقهم وقائدهم صرعى فوضع الجميع السلاح.
ساعتها خرجت يسرا همام بكل ثقة تمشي أمام الرجال المذهولين خرجت من الباب الأمامي للدار ثم أكملت طريقها لنهاية الشارع ولم يستطيع أي منهم أن يقترب منها بأي سوء، وكيف يفعلون وهي في حراسة الكلب كلب آل همام.
******
أثناء الحكاية لم يتكلم أي من طاقم العمل بالمستشفى أو حتى النزلاء بل ظل الجميع صامتون ينظرون إلى سراج باشا حتى أغلق فمه وعاد لهدوءه مرة أخرى ونزل من أعلى المكتب وأخذ ينظف البايب تمهيدا لحشوه بالتبغ، أحد الأطباء كان أول من انتزع نفسه من خيالات الحكاية وسأل سراج باشا قائلاً:" ولكن كيف عرفت كل ذلك يا سراج باشا؟!" فرد سراج باشا قائلاً:"لأنني كنت هناك أنا سراج الدين محمد خورشيد ابن يسرا همام وحفيد المرحوم حسن همام.

وكانت هذه الحكاية من المجنون الثاني.

******
ثم كان كلامي:
ترى هل حاز الكلام على الاهتمام
ترى هل من مخرج لشقي أعرج
هل أرضاكم الكلام يا سادة الظلام
******
وكان رد الليدي فلافيا:
سنرى كيف تجاوبك أيها الفاني
ولا تستعد بروحك للفرح أو التهاني
فكل داخل لعالمنا مفقود
حتى وإن كافح لعقود
الى الغد لقاءنا إذن يا فاني.

النداهة


365

الاربعاء 2 يناير 2019

طبعا لم أكن أعلم كل هذه التفاصيل عن فهمي وفهمي لمن لا يعرف منكم هو صديق دراسة قديم وقد التقينا عدة مرات في اكثر من مناسبة في مصر وخارجها، وكان دوما انطباعي الثابت عن فهمي أنه هو الشخص المحترم ذي الأصول العريقة وأن عائلته لأمه هي عائلة رفعت التركية الشهيرة أصحاب سلسلة محال الملابس الراقية في جميع أنحاء الوطن العربي وكذلك عائلة أباه من أقدم عائلات الشرقية ولهم مزارع فواكه منتشرة في جميع أنحاء مصر، باختصار كان فهمي في أثناء وبعد دراستنا الجامعية يمثل الطبقة الأرستقراطية العتيدة القوم الذين اعتادوا إصدار الأوامر لا تلقيها!

ولأنني كنت ومازلت ماهرا في تعلم اللغات وبخاصة اليونانية والتركية القديمة فقد صار فهمي رفيق درب بالنسبة لي، كانت دروس اللغة التركية بمثابة المضمار الذي تتنافس فيه شخصيتينا كان المضمار الأساسي بجانب حب فاطمة الوكيل الذي كان مضمارا اخر نتنافس فيه نحن الاثنين مع كافة شباب دفعة كلية الآداب للعام 1973 جامعة القاهرة!

لكن ما اشركني في قصة فهمي وعرفني بها وجعلني تحكيها لكم اليوم ليس فهمي شخصيا فأنا لم ألقاه منذ أكثر من ثمانية عشر عاما عندما تقابلنا في أول سبتمبر 2001 في منهاتن، وأقول لكم أن ما أشركني في قصة فهمي هو حدث جرى في نهاية العام الماضي أكسبني العديد من مصادر المعرفة ولن أستطيع التفسير أكثر من ذلك الآن وإن كنت سوف اعود لهذا الحدث لاحقا متى سمحت لي الأطراف المعنية المشتركة معي في هذا الحدث أن احكي عنه.

باختصار ودون تفاصيل ليس لها لزوم فقد ذهبت إلى المستشفى لألقى فهمي وحكى لي -ما عرفته سلفا- ما حدث له من جلسة الميراجواي ونصيحة هاري عن النصاب كولبي ذي المثانة الخربة وقد أخفيت عنه غرضي من الزيارة وعرضت عليه المساعدة فرحب بها وأشرت عليه بطلب المساعدة من السير بيرجندي وقد فعل وحدث ما علمتموه في الفصل الاول.

وها قد وصلنا للفصل الثاني حيث سيروي فهمي حكاية أخرى فقد احتكم الأمر ووجب عليه -طبقا لقانون الجانب الآخر- أن يحكي لمدة سنة .
**************
عرفت أن ابراهيم سوف يأتي بعد جلسة الميراجواي وقد ذكرني بنصيحة هاري وعرض على الوساطة وقد فعل وحصل لنا على صفقة جيدة، ولكن هذا هو اليوم الثاني وقد وجب الحكي ولكن حكاية اليوم من نصيب أحد المجنونان المرافقين لي وسوف اتركه معكم.
***************
انا المجنون الأول أو بمعنى آخر أنا الدكتور مينا كيرولس دانيال كنت رئيس الجمعية الجغرافية الوطنية المصرية وزميل الجمعية الجغرافية الأمريكية والبريطانية أيضا عملت طوال حياتي على إثراء المحتوى الجغرافي عن مصر وخرائطها وتضاريسها وكانت زوجتي إيريني هي رفيقة الدرب حتى وفاتها وهي في شرخ الشباب منذ أكثر من عشرين عاما كنت أنا وإيريني نزور إحدى قرى الحدود ناحية جبل العوينات والقرية عبارة عن واحة صغيرة تتمحور كلها حول بئر كبير في منتصف القرية بالضبط.

كان سويري هو الدليل الذي دلنا في الصحراء حتى وصلنا الواحة من خارج الواحة ولكنه كان من عائلة تنتمي لأحد افخاذ نفس القبيلة التي تعيش في القرية وعندما وصلنا للواحة سألني عن الوقت الذي نحتاجه لننهي اعمالنا فأخبرته اننا سوف نحتاج ثلاثة أيام فأخبرني بمرح أنه إذن لن يبيت معنا الليلة في الواحة فهو سيأخذ الجمال الأربعة إلى واحة مجاورة لتأكل وتستريح وله فيها أيضا زوجة من زوجاته الأربع وأنه سوف يعود لنا بعد مرور أربعة أيام نكون فيها قد أنهينا العمل، ثم بعد أن تطمئن علينا في خيمتنا أخذ يجهز الجمال للرحيل ثم تنحى بي جانبا وهو يقول بصوت خفيض"يا دكتور مينا بالله عليك لا تتجول كثيرا في الليل هنا." وعندما سألته عن السبب وإذا ما كانت هنا حيوانات مفترسة أو ما شابه فأخذ يضحك وهو يقول "لا توجد هنا اي حيوانات مفترسة، ولكن توجد المزييرة، تنادي عليك طول الليل نصحى الصبح نلاقيك فارقت عقلك واتجنيت." فنظرت له باستخفاف وقلت "لا تقلق علي يا سويري."

كنا وقتها في منتصف التسعينات وكانت وسائل الاتصال ماتزال محدودة ولكن القرية وسكانها البدو كانت اكتشاف مذهل وقضينا يومين وليلة في سعادة بالغة من اكتشافنا الجديد ولكن في الليلة الثانية وانا نائم في الخيمة سمعت من يناديني باسمي الاول (مينا) في البداية ظننت أنه اختلط الأمر علي وان هناك أحد البدو ينادي على رفيق له خاصة أنهم منحونا خيمة فوق تبة صغيرة جدا تعتبر فعليا خارج محيط قريتهم، لكنني ومع التكرار انتبهت إلى أن الصوت المنادي ليس لرجل بل هو صوت أنثوي وهو يشبه كثيرا صوت زوجتي ! زوجتي التي تنام بجانبي ولا تدري شيئا عما يحدث، فكرت أنها ربما تكون إيريني هي مصدر الصوت ولكن كيف وهي نائمة بجواري والصوت قادم بوضوح من الخارج؟ في النهاية ومع استمرار ذلك النداء قررت استطلاع الأمر فقمت من رقدتي وخرجت من خيمتي وأنا متحفز للغاية ولم يكن معي سوى سكين رفيع صغير يشبه السونكي امسكته في يمناي وانا اتخذ وضعا دفاعيا والكشاف الصغير في يسراي ثم خرجت من الخيمة.

ما أن خرجت من الخيمة حتى واجهني الكثير من الرمال التي تثيرها الرياح في وجوه القادمين في الليل وعرفت أن هذه بدايات عاصفة رملية وحدثتني نفسي أن أرجع إلى الخيمة أحتمي بها من الرمال ولكنني كنت خائفا أكثر من الصوت الذي يناديني بإلحاح فقررت أن ادور حول الخيمة دورة أو اثنتين لتفقد الأمر فإن لم أجد ما يريب ولم أعرف مصدر الصوت فلتكن الليلة كما هي ولنقضيها بأي صورة في الخيمة ونرحل بعدها في الصباح، لم أجد شيئاً ما يريب في الدورة الأولى حول الخيمة وان استمر الصوت في النداء ثم في الدورة الثانية وقبل أن أصل لباب الخيمة مباشرة وجدتها أمامي واقفة في الظلام والهواء المحمل بالرمال يطير شعرها لأعلى فتبدو كواحدة من بنات الجن فتذكرت في التو الآية في الكتاب المقدس "وَاذَا كَانَ فِي رَجُلٍ اوِ امْرَاةٍ جَانٌّ اوْ تَابِعَةٌ فَانَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ." فما انتبهت لحالي الا وانا راقد فوق بنت الجن أطعنها في قلبها في بطنها في ذراعيها وهي لا تقاوم وان كانت ضحكتها تصك اذني وكلما زادت الطعنات زادت الضحكات وكلما سمعت الضحك أعلى زاد نشاطي لأطعنها لأقتلها واخلص العالم من شرورها وهكذا حتى رحت في إغماءة طويلة وعند الفجر استيقظت ووجدت نفسي داخل الخيمة مكبل بالحبال سألت الأعراب لم تربطونني فلم يجبني أحد وإن أتى أحدهم وقدم لي بعض التمر واللبن دسه دسا في فمي بلا كلام فعرفت أنه يريد مني أن أكل فأكلت ثم تركوني وحدي فأخذت افكر ربما التي هاجمتني في الليل هذه احدى نسائهم وغالبا سوف يعاقبونني على ما فعلت واخذت انادي على إيريني التي لم اعرف اين هي الآن ولكنني كنت واثق أنهم لن يؤذونها فهي لم تفعل شيئا وأخذت انادي وانا مقيد بعمود الخيمة لا استطيع الفرار حتى جاءتني إغماءة أخرى أفقت منها ربما عند الظهر على وجه سويري وهو يناديني لكي استفيق وعرفت منه أنهم احضروه بسرعة ليأخذني لأقرب نقطة شرطة في العوينات وعندما سألته عن سبب ذهابي للشرطة فأخبرني وهو مندهش "لأنك قتلت زوجتك ليلة أمس يادكتور."

تمت

******
ثم كان كلامي:
ترى هل حاز الكلام على الاهتمام
ترى هل من مخرج لشقي أعرج
هل أرضاكم الكلام يا سادة الظلام
******
وكان رد الليدي فلافيا:
سنرى كيف تجاوبك أيها الفاني
ولا تستعد بروحك للفرح أو التهاني
فكل داخل لعالمنا مفقود
حتى وإن كافح لعقود
الى الغد لقاءنا إذن يا فاني.

السبت، 14 سبتمبر 2019

365يوم رعب، اليوم 1

365يوم رعب
الثلاثاء 1 يناير 2019

اليوم هو الثلاثاء أول أيام السنة الجديدة التي من الواضح أنها سوف تكون رائعة وهل هناك ما هو أجمل من أن تبدأ السنة بيوم ثلاثاء!

والأجمل من ذلك أن هذه السنة أول سنة لي منذ عقود سأقضيها وحدي في المصحة فقد أثمرت مؤامرات إخوتي علي أخيرا وأدخلوني المصحة النفسية حيث سأقضي بقية أيامي، ولأنني غير عاقل وفاقد الأهلية فإن كل أملاكي - التي هي ميراث خاص عن جدي لأمي - صارت في يد أخوتي الشياطين الثلاثة فوزي وفوزية وفريدة وصرت أنا فهمي نور الدين خورشيد مجرد نزيل مخبول آخر في مستشفى عكاشة النفسي.

ليست هذه الأحداث هي كل ما يشغلني فأنا فعليا محتجز في المصحة منذ أكثر من شهر ولكن ما حدث بالأمس هو ما كان له العجب فقد رأيت نايل أخيرا وحضرت معه الكينونة وكان معه لفيف من الإخوة الكرام أصحاب رايات الددن وكان ذلك بعد أن أقدمت أنا واثنان من النزلاء الأفاضل هنا على عمل حلقة ميراجواي بالأمس وبالرغم أن هاري حذرني منذ أكثر من خمس سنين عندما تقابلنا في مقهى زهرة فينوس في منهاتن حذرني وشدد علي ألا أقوم بأي حلقات ميراجواي إلا في وجود سام كولبي النصاب اليهودي ذي المثانة الخربة لأنه معه كلمات اغنية العودة، إلا أنني لم أكترث  وصرت من كثرة مجاورة المجانين مجنونا أنا الآخر.

المهم أن السير بيرجندي عندما كنت في حضرته أنا والمجنونان الآخران أراد أن يقدم لي هدية وطريقا للخلاص من براثن حلقة الميراجواي التي ما أن تنطبق على روحي حتى تنتهي الحياة نفسها، وكانت هدية السير بيرجندي هي أنه طلب من الكونتيسة فلافيا أن تقدم لي مخرجا فوق العادة - وأن يكون مناسبا لحالتي الصحية حيث أنني فوق الستين - ومن ثم فقد فاق كرم الليدي فلافيا الحدود وطلبت مني أن أقص.

والقصص لعمري كانت دوما وسيلة كريمة من سادة جانب النجوم لمعرفة معدن زوارهم من البشر ولكننا لم نكن - أنا والمجنونان الآخران - زوارا بالمعنى المفهوم ولكننا وعبر حلقة الميراجواي كنا مجموعة من المتطفلين المتلصصين على السادة وكان من الطبيعي أن يكون جزاؤنا الموت لولا شفاعة السير بيرجندي وكرم الليدي فلافيا إذ طلبت مني أن أقص لمدة سنة وسيسمع السادة للقصة وإن حازت على الاهتمام صارت لنا حرية العودة.

ومن هنا بدأت القصص كل يوم قصة وسيكون معي من مشرق الشمس لمغربها وحينها يجب أن يكون لدي شيء لأقصه وإلا فإنها النهاية.

وعليه فإن اليوم هو الثلاثاء أول يوم من السنة الجديدة وأول قصة من القصص التي أرويها للسادة لعلنا - أنا والمجنونان الآخران - ننال العفو لنعود لحياتنا الدنيا بمصحة عكاشة.

*****
حكاية 1
مكالمة من البيت

دخل أحمد منزله في الثانية عشرة صباحاً عائدا من عمله متأخرا كالعادة متوقعا الا يجد أحدا بالمنزل بعد خناقة الصباح مع زوجته التي قررت الذهاب الى امها.
أثناء فتحه لباب الشقة لاحظ صوت بالداخل وعرف أن زوجته تشاهد التليفزيون بغرفة النوم ولم تذهب الى والدتها كما هددته واسعده هذا للغاية.
وضع الموبايل والمفاتيح والمحافظ على الكونسول المجاور لباب الشقة، ولأن الجو بارد وهو قد شرب الكثير من البيبسي بعد وجبة الكبدة التي تناولها مع زميلة حسين في الشركة تذكر بمجرد دخوله الشقة مثانته الممتلئة وذهب رأسا للحمام وهو يصيح ليُسمع زوجته في غرفة النوم:
"لقد عُدت يا مها.. جيد انك لم تغادري."
ثم اغلق على نفسه باب الحمام ليستمتع بالتخلص من المياه الزائدة في جسمه وأثناء ذلك سمع طرقا خفيفا خجولا على باب الحمام ثم صوت مها تسأله في رقة:
"احمد هل ستتعشى؟ أنا لم اتعشى بعد في انتظار مجيئك."
فأحس أن زوجته تريد أن تصالحه بعد الخناقة الكبيرة التي دارت قبل نزوله للعمل وتذكر ايام زواجهما الأولى عندما كانا يأكلان كل الوجبات سويا ولا يفوت اي منهما فرصة للقرب من الاخر إلا واغتنمها، وأسعده ذلك للغاية فرد على زوجته:
"حسنا يا حبيبتي.. أمهليني دقيقة لأخرج."
أنهى ما كان يفعله ثم وقف يغسل يديه وينظر إلى لحيته النصف نامية في وجهه وتذكر أنه لم يحلق لحيته منذ أربعة أيام، اي منذ بدأت المشاكل مع مها.
حقا لم يجد لديه البال الرائق والمزاج لكي يقوم بالحلاقة دونما أن يجرح نفسه، وفكر الآن أن الوقت قد حان - بعد مصالحة مها والعشاء الثاني! - لكي يحلق لحيته.
اثناء خروجه من الحمام سمع نغمة اغنية شط اسكندرية لفيروز والتي هي نغمة رنين الموبايل فبدلا من أن يدخل غرفة النوم ليكمل حديث الصلح مع زوجته توجه ناحية الكونسول في الصالة ليرى من يطلبه على الموبايل، (البيت) كذا ظهر الاسم على شاشة الموبايل مشيرا إلى أن المتصل زوجته، ابتسم وهو يفكر في نفسه أن الأمور لا تستحق كل هذا أن تطلبه على الموبايل في الصالة وهي في غرفة النوم، ورغم ذلك رد عليها بلهجة وادعة:
"نعم يا حبيبتي..ماذا تريدين؟"
بلهجة حادة:
"ماذا اريد؟..لماذا لم تتصل بي حتى الآن يا احمد؟ اليس من حقي أن تطمئن علي بعد خناقة الصباح؟"
فانقلبت سحنته واخذ ينظر للباب وهو يقول:
"وهل تتصلين بي الآن على الموبايل لتسأليني عن عدم اتصالي بك يا مها"
ثم وهو يسمع خطواتها قادمة من غرفة النوم تجاه المطبخ سألها:
"حسنا يا مها يمكننا أن نوقف هذه الألعاب التليفونية ونتقابل وجها لوجه وقولي لي ما يحلو لك."
سألته هي:
"وكيف أراك وجها لوجه وانت في العمل وانا عند ماما منذ الصباح؟"
فقال لها وهو يضحك:
"كيف ذلك يا مها انا اسمع صوت خطواتك في البيت، (ثم بسخرية)توضيح صغير انا في البيت يا مها."
فقالت:
"انا لست في المنزل يا أحمد ولا تتلاعب بي بهذا الكلام فهذا لن يحل المشكلة التي...."
فقاطعها منفعلا:
"اذن من الذي معي في البيت .. لقد.. لقد سألتني منذ دقيقة أن كنت سأتعشى ام لا معها"
فقالت مها مصدومة:
"من؟... من هي التي ستتعشى معك يا احمد؟ قل لي ؟"
فقال لها وهو ممتقع الوجه من الخوف:
"لا اعرف.. سأدخل المطبخ لاعرف"
فقال له مها فورا:
"لا تفعل .. فقط افتح باب الشقة ونادي على الجيران وقل لهم أنه حرامي في الشقة.. لا تدخل المطبخ يا أحمد .. لا تدخل"
فقال لها وهو منفعلا بالعصبية:
"كيف اخاف في بيتي .. سأدخل لأرى ما هناك"
ثم ترك الموبايل على الكونسول والخط مفتوح ودخل المطبخ.
...............
على الطرف الآخر من المكالمة تسع مها اصوات الخطوات وهو يمشي الى المطبخ
ثم صوت شيء يقع الارض ثم صوت احمد وهو يصيح بغضب:
"من انتي .. ماذا .. مستحيل.. "
ثم بعد ثوان :
"لااااااه ..."
ثم صوت ارتطام جسم ثقيل بالأرض ثم خطوات هادئه ثم فحيح خفيف ثم انتهت المكالمة.
تمت
******
ثم كان كلامي:
ترى هل حاز الكلام على الاهتمام
ترى هل من مخرج لشقي أعرج
هل أرضاكم الكلام يا سادة الظلام
******
وكان رد الليدي فلافيا:
سنرى كيف تجاوبك أيها الغاني
ولا تستعد بروحك للفرح أو التهاني
فكل داخل لعالمنا مفقود
حتى وإن كافح لعقود
الى الغد لقاءنا إذن يا فاني.