الجمعة، 4 أكتوبر 2019

365 كرسي خشب أثري



365 - كرسي خشب أثري

تحكيها الدكتورة نيهال العسال

الجمعة 4 يناير 2019

كنت جالسة بالاستقبال أطالع حظك اليوم في تلك المجلة الأسبوعية اللامعة – برغم معرفتي التامة بحظي اليوم وكل الأيام – وثمة مقال يتحدث عن يوم الاستقلال في بورما الذي يوافق اليوم!، وأحدهم يتكلم في التليفيزيون عن درجات الحرارة المنخفضة هذه الايام على غير العادة والذي جعلني أفكر أن من وضعوا جملة دافيء ممطر شتاء للإشارة للمناخ في مصر بالتأكيد لم يكونوا يعرفون عما يتحدثون بالضبط وبدأت سلسة من التداعيات الفكرية في ذهني تسخر من فكرة من فكرة أن جو مصر دافيء شتاء، وإلا فما السبب في هذا الزمهرير الذي نشعر به جميعا ولم تدنو الساعة بعد من التاسعة مساء.

تستطيعون أن تعتبرونني من الشخصيات العملية، لا أتعامل مع الدنيا إلا كواقع وأرقام وحسابات مجرد معادلة كبيرة، حتى المشاعر والأحاسيس صارت جزء من هذه المعادلة، لذلك في كل الأيام كنت أفضل نوبتجية الليل فالجو دائما هاديء ساكن ومعظم نزلاء المستشفى إما نيام أو مشغولون بأنفسهم، كذا موظف الاستقبال نائم في هدوء على الكاونتر قبالتي، ولو مرت الأمور كالمعتاد فلن يحدث أي شيء وسوسف أقضي الليل في القراءة ومشاهدة التيلفيزيون حتى يطلع الصباح فأذهب لبيتي الصغير لأرتاح وأغط في نوم عميق ثم أصحو قرب العصر ابدأ طقوس الاستعداد ليوم عمل جديد، وهذه – كما ترون – حياة بسيطة خالية من أي مشكلات أو مشاعر، وهكذا هي دائما حياة السناجل!

لكنني لاحظت أثناء جلوسي طرقا خفيفا متصلا على النافذة الزجاجية المجاورة فنظرت من مكاني لأرى ما الذي يطرق الزجاج فلم أرى أي شيء بالخارج فاقتربت لأحدق بتركيز عبر الزجاج الشفاف ورأيت أحدهم يقف على مبعدة من النافذة بحوالي متر يطرق على الزجاج وعندما رآني أشار ناحية الباب إشارة معناها (افتحي لي الباب) وكان رجلا عجوزا في السبعين بتقديري، فذهبت فورا وفتحت الباب لأستقبله وفور أن فتحت الباب شعرت كما لوكانت ريح باردة قد هبت في وجهي وجمدت جسدي بالكامل، وقبل أن أفيق من صدمة التجميد وجدت أنني أجلس على الكنبة ومازلت أمسك في يدي تلك المجلة اللامعة ومازال الرجل السخيف في التليفيزيون يتحدث عن درجات الحرارة المنخفضة هذه الايام على غير العادة، فكرت للحظات أن ما حدث مجرد حلم غفوة بسيطة دامت لثوان ثم حلم ثم عودة مرة أخرى للواقع وربما هي ظاهرة الديجافو التي يتأخر وصول الدم فيها للفص الأيمن من المخ عن الأيسر فتصبح الأمور مختلطة بين الواقع والذكرى، ولكن ما أكد لي أن ما حدث قد حدث فعلا أنه كان جالسا أمامي بكامل هندامه وشيبه وهيئته السبعينية.

بدأ معي الكلام فورا ودون مقدمات:"كما ترين يا دكتورة نيهال، إن لدي القدرة أن أتواجد متى أحب وقتما أحب وحيثما أحب." وهممت أن أعترض على الكلام وأسأله عن سبب هذا الاقتحام الغير لائق وربما كنت سأهدده بطلب الشرطة، ولكنه سبقني وقال:"اسمعيني أولا أنا لم آتي هنا لأؤذيك بل أنا هنا في مهمة لمساعدة صديق، وكل ما أطلبه منك هو مجرد حكاية، حكاية تحكينها ثم لك مطلق الحرية أن تفعلي ما تشائين،وقبل أن تردي علي بالقبول أو الرفض أحب أن اتلو على مسامعك بعض المعلومات التي ربما تساعدك على اتخاذ قرارك، أنت الدكتورة نيهال عيسوي العسال من مواليد الشرقية قرية كفر بدر ابو كبير اباك توفي منذ أن كنت في الثانوية العامة لك أختك وزوجها هاجرا وتركا مصر منذ سنين تقيم أمك مع خالتك في الدقي منذ أن بدأت أنت دراسة الطب وثم بعد ذلك العمل في هذه المصحة، والمعلومة الاكثر إفادة أنني أعرف عنك كل شيء دراستك وايام التكليف وحبك لمجدي وتعلقك بشريف وزواجما السري الذي لم يدم لأكثر من شهرين.."
عند هذه النقطة قاطعته وماتزال في يدي المجلة اللامعة والتليفيزيون يتحدثون فيه بسخافة عن الحرارة التي انخفضت على غير العادة وقلت:"حسنا يا جدو ، حسبك لا تكمل لقد اقتنعت بفكرتك." ثم نظرت لموظف الاستقبال النائم قبالتنا على الكاونتر، فنظر له الرل السبعيني وهو يقول :"لا تقلقي إن محسن قد أفرط في أكل المحشو في العشاء الليلة وأمامه على الأقل ساعتين قبل أن ينتبه من غفوته القصيرة." فنظرت له وأنا أقول:"أنا لا أعرف كيف حصلت على كل هذه المعلومات ولكن إذا كانت هذه محاولة من ..." قاطعني قائلا:"من شريف ؟ لا بالطبع الموضوع أكبر من ذلك وأعقد." فنظرت له في خوف وقد جال بذهني لأول مرة أن ما يحدث غير طبيعي وغير خاضع للقوانين البشرية ثم سألته:" ولكن لمن سأحكي حكايتي؟" فاسترخى في جلسته على الفوتيه الوثير وهو يقول:"وهل هذا سؤال..سوف تحكين لي طبعا."وبدأت أحكي

*************************
"لما كنا اطفال صغيرين أنا و أختي سماح اسرتنا اتنقلت لبيت ريفي قديم في بنها العسل، بابا كان دائما بيقول أنه السبب الرئيسي اللي خلاه يشتري البيت ده بجانب رخص ثمنه أنه مبني على النمط الاوروبي وده كان ملفت جدا في فترة التسعينات وكان شيء ملفت ومختلف عن بقيت البيوت اللي كنا نعرفها.
البيت كان دورين الدور الارضي كان عبارة عن صالة واسعة جدا ومجموعة غرف للخدم والخزين ومطبخ وحمام، والدور الثاني كان فيه صالة صغيرة وخمس غرف كبيرة عمرنا ما استخدمنا كل الغرف طول فترة اقامتنا في البيت رغم أنه كل الغرف كانت ليها ديكور جميل وكل غرفة كان فيها بلكونة الا اننا انا واختي كنا متعودين دايما نلعب في الصالة اللي في الدور الأول وكانت اكتر حاجة ملفتة في البيت بالنسبة لنا - انا واختي - شبح لطيف كان بيظهر لنا كل يوم تقريبا وبقول إنه كان لطيف لأنها كانت ست دائما لابسة عباية لونها ابيض وكانت دائما تبتسم لينا لما بتشوفنا بنلعب وبعدين تشوف الكرسي فين وتروح تقعد عليه.
الكرسي ده برضه كانت حكايته حكاية بابا كان شايف أنه تحفة أثرية وكذا مرة عرضه على حد من صحابه عشان يعرف الفترة التاريخية للكرسي لكن محدش قدر يجزم هو مصنوع في اي فترة بالظبط، فقد اختلفت الآراء حول الكرسي في اللي قال إن الكرسي من فترة المماليك وغيرهم جزموا برضه أن الكرسي من فترة الاتراك وفيه اللي قال لبابا أن الكرسي ده من عصر سيدنا سليمان وأنه له قوى خفية سحرية.
المهم أنه محدش خالص قدر يشوف الشبح اللطيف اللي كان مش بيفارقنا واللي كانت بتتعامل معانا بكل حب لدرجة إن اختي كانت بتقول عليها ماما!
قعدنا في البيت اربع سنين لغاية لما بابا اتوفى وماما فضلت تراعينا في البيت طول السنين دي لدرجة إني احيانا كنت بصحى من النوم عشان اشرب الاقي جنبي كوباية مية وأنا متأكد إن ماما الشبح هي اللي حطاها جنبي عشان مانزلش المطبخ بالليل لوحدي.
بعدها سبنا البيت وبناء على رغبة أمي روحنا تاني نعيش في القاهرة جنب خالي محمد وفي يوم بعد مرور أكثر من خمستاشر سنة على القصة دي وانا قاعدة على الانترنت شوفت جروب عالفيس بوك بيعرض صور من جرايد ومجلات قديمة لفت نظري صورة للبيت اللي كنا فيه من جرنان قديم من الأربعينات ولما قريت الموضوع عرفت أن البيت ده كان مملوك لراجل انجليزي ومراته وكان عنده طفلين ولد وبنت وفيوم الست عرفت أنه جوزها بيخونها وقررت انها تنتقم منه راحت أعطت للولد والبنت كل واحد كوباية لبن مخلوطة بالسم وبعدين نزلت في الصالة وشنقت نفسها بعد ما وقفت على الكرسي .. الكرسي الخشب الاثري."
*****************
عندما انتهت الدكتورة نيهال من حكايتها نظرت لها وقلت:"الآن نتعرف، أنا إبراهيم جمال وأنا موفد من قبل صديق لإنقاذ أحد النزلاء هنا بالمصحة وهو بالمناسبة صديق، وسوف يكون لنا لقاء قريب يا دكتورة نيهال." ثم نهضت من الكرسي الوثير وأخذت عصاي أتوكأ عليها ثم فتحت الباب وخرجت، في ذلك الوقت كان فهمي في غرفته يتابع الحدث من بعيد وهو سعيد.

وكانت هذه حكاية الدكتورة نيهال
*************************
ثم كان الكلام:
ترى هل حاز الكلام على الاهتمام
ترى هل من مخرج لشقي أعرج
هل أرضاكم الكلام يا سادة الظلام
******
وكان رد الليدي فلافيا:
سنرى كيف تجاوبك أيها الفاني
ولا تستعد بروحك للفرح أو التهاني
فكل داخل لعالمنا مفقود
حتى وإن كافح لعقود
الى الغد لقاءنا إذن يا فاني.