الثلاثاء، 28 يوليو 2015

خرافة التعليم في مصر

في حوار أسري بنّاء بيني وبين السيدة المصونة حرمنا الست أم عمر وبمشاركة كل من عمر والواد الصغير أخو عمر ، كنا نبحث مسألة التحاق ابناي بالمدرسة وكيف أنه يجب علينا ان نسعى لأن نوفر لهما كافة ما نستطيع من وسائل التعليم المتاحة حتى يصلوا بفضل الله ثم بالعلم لأعلى ذرى السلم الاجتماعي فبالعلم ترقى الأمم وبالخلاق تسود.!
وإذ بنا نفوجيء أن ما نستطيع ان نفوفره لهم لن يكون على مستوى طموحاتنا وأحلامنا المرجوة لهم ، ففي الغالب لن يكون المكان المخصص لأبني أكثر من مكانا حقيرا في مدرسة أحقر وسط عدد غفير لا يقل عن 80 طفل في كل فصل مما يساعد على نقل الميكروبات والأمراض ولا يساعد على نقل أفكار المعلم للتلاميذ ومما يعجل انتشار الأوبئة ويمنع انتشار الهواء النظيف ومما يمنع التطور والإبداع ويقود للتقليد والغباء ، وبالطبع فإننا اسقط في يدنا إذ كيف يتسنى لنا أن نحق لأبنائنا نتائج تعليمية جيدة ونحن نخوض في الوحل التعليمي مع بقية خلق الله في القطر المصري فقادنا هذا إلى البحث عن أسباب هذا الهراء الذي يتخلل ويغلف العملية التعليمية وقد حاولنا رصد الكثير من المشكلات التي تعوق عملية التعليم في بلدنا فوجدنا الكثير منها على سبيل المثال لا الحصر :
  1. غياب الهدف من التعليم في كل المراحل ( من الروضة للجامعة )
  2. رداءة المواد التعليمية 
  3. عدم كفاءة الاشخاص القائمين على العمل التعليمي
  4. استخدام اساليب تعليمية متحجرة تقيس الحفظ والاستظهار ولا تقيس الفهم أو الابتكار ناهيك عن الابداع 
  5. عدم وضوح الرؤية فيما يخص السياسة التعليمية 
  6. غياب الشغف والطموح من المراحل التعليمية المختلفة
  7. الانحلال الفظيع في المؤسسات التعليمية وعدم مراعاة الاخلاق التربوية 
  8. تحول المعلمين لأدوات جمع مال 
  9. انكسار حواجز الهيبة والاحترام بين المعلم والتلميذ ومن ثم انهيار نفس الحاجز بالبيت
  10. الخلل الفظيع في دراسة المواد واللغات الاجنبية بالمؤسسات الحكومي
هذا بالطبع غيض من فيض وليس لنا أن نعرض كل شيء في هذه التدوينة .

الأربعاء، 22 يوليو 2015

وادي السعال(1)

نظر لي (مروان) بشدة وبدا كمن فاجأه الأمر ثم استطرد :
-      انت فعلا مزرتش (الكانيون) ولا (وادي السعال) لغاية دلوقتي .
فهززت رأسي نافيا ومكتفيا بإبداء ابتسامة شبه ساخرة للدلالة على خفة الأمر لدي فبالرغم من عملي على طوال عامين بين (شرم الشيخ) و (دهب) لم أحاول – مجرد محاولة – في يوم من الأيام أن أقوم بأي زيارة لأي من هذه الأماكن السياحية وليس بسبب ضيق ذات اليد أو أن هذه الأمور هي أمور تبذيرية بحتة كما كنت أدعي دوما وإنما - في الواقع - يرجع هذا لنظرتي إلى من ينفقون مالهم ووقتهم في هذه الأماكن على أنهم الناس اللاهين الذين لو اختلفت الظروف قليلا – وأنا على علم بأنه لن يحدث – لأعدمتهم جميعا في ميدان عام لعدم اكتراثهم بشيء في الحياة قدر اهتمامهم بنوع الموبايل وأخر موديل للسيارة والفيلا الفاخرة , اعرف أن هذه النظرة العدوانية ليس لها حقيقة ما يبررها وأعرف أن الأثرياء ليسوا جميعا سواء ولكني على الدوام افكر كما تنص القاعدة المصرية الشهيرة  "الحسنة تخص والسيئة تعم" , أفقت من خواطري على صوت مروان وهو يقول بإلحاح :
-       تحب تيجي معايا هناك .؟
ولم أكن بعد قد فطنت لما قال ولكني منعا للإحراج وافقت فورا وفي السيارة ظلت الكلمة تتردد في ذهني وأنا أحس بها مميزة للغاية وتساءلت بداخلي " كيف يمكن أن يكون اسم الوادي هو(وادي السعال) ؟؟ وهل هو مرتبط مثلا بالكحة الشديدة ؟؟ أم أن أصوات الهواء الذي يمر به مثل صوت السعال ؟؟ أم أن المستكشف الذي اختار هذا الاسم كان مصابا بالزكام الشديد والسعال يوم اكتشافه فسماه وادي السعال ؟؟ وربما كانت إصابته ستصل لأمعاءه فتصيبه بالإسهال ويومها سيسمى بواي الإسهال " وعند هذه الخاطرة اتسعت ابتسامتي لتملأ وجهي ثم تلقائيا – عند الوصول للمكان – ترجلت من السيارة لأكتشف انني أمام أحد بيوت البدو فسألت دونما أفكر :
-       بيت من ده يا (مروان) ؟
فاستغرب (مروان) قليلا ثم أجابني بصبر :
-    بيت (أبو جمعة) .. أقصد بيت (حسين سويلي) مش انت وافقت من كام دقيقة انك تيجي معايا .؟
فأدركت انني سرحت كثيرا جدا , كان البيت من الداخل ككل بيوت البدو يتكون من فناء - حوش - واسع تمرح فيه أكثر من معزة صغيرة وبجوارهم خروف أو اثنين ثم على اليسار بيت من طابق واحد يبدو كما لو كان البيت الأساسي وفي المواجهة غرفة واسعة تعلو عدة درجات عن الأرض وكما لو كانت مضيفة أو مندرة أو سمها كما تشاء فهي – كما بدت لي – غرفة مخصصة لاستقبال الضيوف والزوار ولاحظت أحدهم يقف على الباب – باب المندرة / المضيفة / غرفة الزوار – بانتظارنا لندخل ونجد (حسين سويلي) مفترشا الأرض ممدا على حشية (مرتبة) من حشايا الفراش وبجواره أحدهم – آخر غير الأول – يصنع له مشروب أبيض مصفر وبه حبوب برتقالية اللون ذي قوام غليظ نوعا ذكرني بالحلبة المخلوطة باللبن لو أضيف لها بعض العدس الأصفر غير المطهي وفيما يبدو أن (حسين) كان يستعد ليحسو هذا الشراب بالملعقة عندما قاطعناه أنا و (مروان) .
من لم يتعامل مع البدو والعرب الرحل ربما لن يفهم كثيرا من طقوس حياتهم وأساليب المعيشة في الصحراء ولكن من عرفهم عرف بالتأكيد أن من اهم صفاتهم الكرم والجود والاهتمام بالضيف ، فما أن رآني (حسين) أدخل من الباب وبصحبتي (مروان) حتى انفرجت اسارير وجهة وارتسمت ابتسامة مرحبة بنا تكاد ملامح وجهة تنطق بكلمات الترحيب والود دونما أن ينطق (حسين) بل أنه – رغم مرضه – حاول القيام من مكانه ليصافحنا فأسرعنا نحن الاثنان بأن جلسنا بجانبه مصافحين وبالطبع كان من الضروري ان يعزموا علينا بهذا المشروب العجيب الذي كان (حسين) يشرع في احتساؤه حينما دخلنا فما كان مني إلا ان ملت على اذن (حسين) وأخبرته أنني لن أتناول هذا الشيء العجيب فاخذ يضحك من اشمئزازي مؤكدا لي أن هذا المشروب رائع ومفيد إلا أنني اصررت على عدم تناوله فما كان منهم إلا ان صنعوا لي – في أقل من دقيقة – كوب من الشاي الرائع .
وبعد الاطمئنان على (حسين) دار الحديث عن وادي السعال فأخذ (أبو جمعة) يحذرنا من الوادي باعتبار أنه مسكون بالجن والعفاريت وأن الشياطين تتخذه مرتعا لها منذ قديم الزمان بل لقد بالغ الرجل فادعى ان العفاريت تعقد اجتماعات بهذا الوادي وان هناك من مردة العفاريت من يقوم بمهمة حراسة الوادي من المتطفلين مثل البشر ،وبصراحة لم يكن الكلام عن الجن والعفاريت يجد مكانا في عقلي للتصديق ، فمنذ صغري وأنا أهوى الاماكن التي يقولون عنها انها مسكونة بالجن أو بها ظواهر غريبة ولقد حاولت كثيرا في حياتي  ان ارى هؤلاء الجن والعفاريت فلم تفلح ولا مرة في أن تظهر نفسها لي ولهذا فانا اعد هذا الكلام من الخرافات التي لم تعد تناسب العصر الحديث والقرن الواحد والعشرون ، ولما لم يجد (ابو جمعة) لكلامه عن العفاريت اي صدى او اهتمام من ناحيتي ادار الحديث في موضوع أن (الترابين) هم أصل القبائل التي تسكن شرق سيناء وكيف أنهم يستوطنون صحراء النقب وطابا ونويبع ودهب وربما وصولا إلى رأس محمد في جنوب سيناء وأنهم يرجعون في اصولهم إلى القبائل العربية القحطانية وتحديدا من العرب الأزد أو الأزديين الذين هاجروا أصلا جنوب الجزيرة العربية ، وكيف انهم كانوا امراء على جنوب فلسطين ، بل وزعم انه يعلم أن هناك مرسوما صدر من الباب العالي (السلطان العثماني) بتوليتهم إمارة جنوب فلسطين هم وأبناؤهم مدى الحياة ولكن سبحان من له الدوام فحال الأمس يختلف كثيرا عن حال اليوم .
كانت روايات (ابو جمعة) شيقة والرجل السبعيني يرويها بدون اي تكلف بل بتلقائية مدهشة ولم افيق من نشوة حديثه الطريف إلا على صوت (مروان) وهو يقول بصوت منخفض : مش ياللا نمشي بقى ؟.. احنا هنا بقالنا ساعتين ، ودي المفروض زيارة مريض؟!
فما كان منا غلا ان سلمنا على الناس وانصرفنا في التو واندهشت جدا من الوقت الذي مر ونحن جالسون بحبة (ابو جمعة) وكلامه الشيق عن الجن والعفاريت والترابين والعرب والعثمانيين ، وفي طريق العودة عرض علي (مروان) مرة اخرى أن ازور معه الوادي في الليل .
أنا     : وادي ايه ؟
مروان: وادي السعال يا هندسة .. انت لحقت تنسى ؟؟
أنا    : خلاص .. خلاص عدي عليا بالليل في الفندق واجي معاك .. بس بشرط لو الجو معجبنيش همشي على طول .. قشطة ؟؟
مروان :هههه قشطة ..