الأربعاء، 23 يناير 2019

الحب في زمن الثورة (٤)

بمجرد أن انتهت من تثبيت البروش الماسي بياقة (شيرين) رجعت للخلف لتملأ عينها  من صورة ابنتها الشابة ثم  جلست (أماندا) على سرير (يامن) قبالة (شيرين) التي جلست هي الأخرى على سريرها واستندت للحائط البارد مستشعرة لسعة البرد في مؤخرة عنقها ونظرت ل(شيرين) نظرة خاوية، نظرة من يرى الان مشهدا من الذاكرة وقالت:
"سوف احدثك اليوم ليس كأم تحدث ابنتها بل كامرأة تتحدث مع امرأة، وكلي أمل أنك سوف تفهمين وتقدرين ما ستعرفين.
في ذات يوم بارد من يناير كانت جلسة طلاقي من (علي)، وكانت جلسة ودية بحضور محامية مشتركة، بكيت وبكى، مما دعا المحامية للتوقف مندهشة لتذكرنا بأن الطلاق خيار، وانه مجرد اجراء يمكن التراجع عنه في اي لحظة، حتى بعد اتمامه.
ومن بين دموعنا طلبنا منها ان تستمر، واستمرت لتنهي زواجا دام أحد عشر عاما او أكثر.
ما حدث بعدها كان غريبا و صادما: بعد عودتي الى بيت جدك، انطبقت علي الجدران من كل الجهات، اختنقت وكدت افقد صوابي، فخطفت معطفي وجريت الى الشارع، وبعد لحظات وجدتني أمام بيت أهل (علي) القريب من بيت جدك، وفي نيتي ان اطلب منه ان نتوقف عن هذا الجنون ونعود لسابق حالنا.
لكن بمجرد ان رفعت يدي باتجاه جرس الباب، تصلبت أطرافي بالكامل، كما لو ان شللا مفاجئا أصابها. وقفت بلا حراك زمنا طويلا لم اعد اذكره، ربما ثلث ساعة أو أكثر. راسي منحنية الى أسفل ويدي معلقة في الهواء، وشيء في داخلي يقول: لا!
بعد عشرين دقيقة او اكثر عدت أدراجي.
اليوم اتذكر هذه اللحظات الدقيقة من عمري وأقول، ماذا لو أنني طرقت  الباب ساعتها، او اطل هو فجاة من النافذة؟ ما الذي كانت ستكون عليه حياتي الان؟
رغم الضعف، والتردد والشك يظل في أعماق كل واحد منا صوت هش، ضعيف، خائف، مهمل ومسكين، يخبرنا بِما يليق بِنَا، وبما يجب أن نفعله ويخصنا وحدنا.
الحياة مربكة والبشر مركبون، لكن هذا الصوت البعيد، الخافت، الذي بالكاد نسمعه وبالكاد نميزه من بين بين كل الأصوات والضجيج والفوضى، هو وحده الذي انقذني من نفسي لأن النفس احيانا تعادي صاحبها، وتنقلب عليه تماما كجهاز المناعة او أي عضو آخر فيه.  وهو ليس بالضرورة صوت المنطق، لأن المنطق قد يكون في منطقة اخرى، او في منطقة بين المنطقتين، او قد لا يكون أبدا، لكنه صوت حقي الشخصي، الحق الأقرب انصافا لي وعدلا مع (علي)، ورحمة بنا جميعا،
وها أنا ذا بعد كل هذه السنين أدين بتقدمي في الحياة وحفاظي عليكم لهذا الصوت.. الصوت الذي أخبرني بما عليّ فعله بالضبط."

#الحب_في_زمن_الثورة
#رواية
#ابراهيم_جمال
#معرض_الكتاب_2020

الحب في زمن الثورة (٣)


من خطاب (سائدة) الى (جون)
الزمن فكرة مرعبة يا (جون) ، نتخفف من رعبها بالأسماء والتواريخ والمناسبات .. تخيل أيام الأسبوع بلا أسماء ، فلا شيء في "الأحد" مختلف فعلا عن "الإثنين" .. سيعني هذا أنه لا أسبوع أصلا .. وتخيل أنه لا توجد أسماء للشهور .. لن يكون هناك بالتالي سنوات .. سنسبح في نهر صامت من الوقت ، سأنسى أنني كائن ممتد من سنة ما إلى سنة ما ، سأكف عن النظر إلى نفسي كخط امتد من نقطة إلى نقطة على خط لا نهائي من الزمن ..
سيصبح الزمن الوحيد هو زمني .. حبي وخوفي وإيماني وشكي وأصدقائي وسعادتي وحزني وكتبي .. لن يعود ثمة حيز خارجي عني اسمه الزمن .. سأصبح أنا زمني وزمني أنا .. وستصبح أنت زمنك وزمنك أنت .. وسيصبح زمننا المشترك ما حصل بيننا .. سأقول إني أعرفك منذ خمس وثلاثين خطابا وبيتين شعر وضحكات لا تعد وخمس دمعات مسحتَ ثلاثا منها واستحت منك اثنتان فعادتا إلى عيني ..

#الحب_في_زمن_الثورة
#رواية
#ابراهيم_جمال
#معرض_الكتاب_2020

الحب في زمن الثورة (٢)

"كُنا بخير لولا الآخرين."
كذا بدأ (يسار) حكايته مثيراً دهشتنا وجعلنا نشعر بالمزيد من الرعب ونحن محبوسين تحت تهديد سلاحه في عنبر مستشفى المجانين القديمة، وبمجرد أن بدأ الكلام حتى نظرت لي (سيبيل) نظرة بعينيها الواسعتين التين اتسعتا أكثر ممن يقول:
"ترقب فهذه ستكون فرصتنا للهرب."
 و فهمت منها أنها تحثني على الاستعداد للهرب من العنبر ولم يكن الأمر يحتاج للكثير من الذكاء لفهم خطتها، فعندما سيندمج (يسار) بالحديث عن تجربته الطويلة بالمستشفى سوف يقل اهتمامه بنا وسينسى أنه يهددنا بالسلاح، وبالتأكيد سوف تكون هناك فرصة للهروب من تحت يده حينها علينا اغتنامها.
نظرت تجاه (سيبيل) و حنيت رأسي لأسفل في حركة بطيئة قدر ما استطعت لأوصل لها رسالة :
"نعم أنا معك في خطة الهروب."

#الحب_في_زمن_الثورة
#رواية
#ابراهيم_جمال
#معرض_الكتاب_2020