الاثنين، 21 يونيو 2021

محطة بنزين وادي وتير



أثناء عودتها من ذلك المؤتمر الدولي عن النسوية في طابا لاحظت (هدى) أن الليلة كانت مظلمة وضبابية. وكانت (هدى) تواجه صعوبة في البقاء مستيقظًة والطريق كان مبتلاً بالمطر وزيادة في الحظ بدأ مستوى الوقود في الانخفاض بشكل خطير ولم يكن لديها أدنى فكرة عن مكان البلدة التالية فهي على الطريق الأوسط في سيناء!
وبينما كانت على وشك إيقاف السيارة لتنام على جانب الطريق، رأت محطة وقود صغيرة متداعية عليها لافتة (محطة بنزين وادي وتير)، توقفت عندها وهي مشتتة للغاية ولا تكاد تتبين معالم الشخص الواقف أمامها يسألها:"كم لتر؟" لم تتذكر ما الرد المناسب في هذا التوقيت، وبعد تفكير سريع وجدت الإجابة هائمة في رأسها:"فوّل."!
لقد فعلت ذلك أخيرًا ردت ردا منطقيا!، لكنه – وبعد ما انتهى من وضع الوقود – ابتسم في سماجة وبالغ في ثقل الظل إذ طلب منها – وهو يضحك بدون سبب – أن تفتح غطاء المحرك (الكبوت)، لأنه يشعر بوجود مشكلة في الموتور، أخذ قلب هدى يدق بعنف وأحست في اذنيعا بدفء شديدعندما وقف العامل أمام سيارتها طالبا منها أن تفتح له غطاء المحرك (الكبوت)، ، واخذت تفكر في الأمور لأول مرة بوضوح، إنها وحدها في محطة وقود صغيرة قذرة في مكان مجهول والعامل لديه أسباب تجعله يضحك لأن لديها مشاكل في المحرك، شُلّ تفكيرها للحظات وهي لا تدري ماذا تفعل ولكن يدها اليسرى – كما لو كان لها تفكير خاص وحدها – أخذت تتحرك وضغطت زر فتح غطاء المحرك (الكبوت)، هكذا بكل بساطة فتح العامل الغطاء وأخذ يعبث بأصابعه هنا وهناك ثم نادى عليها لترى شيئا ما يظن العامل أنه سبب المشكلة التي يظن أنها في المحرك:"تعالي شوفي كده يا مدام " ولما لم تتحرك من مكانها خلف المقود خرج من حيث يختفي خلف غطاء المحرك (الكبوت) المرفوع وهو يشير ليها نحو المحرك داعيا إياها لتلقي نظرة:"ماتيجي تشوفي يا مدام هي عربيتي ولا عربيتك؟".
أخيرا نجحت في الخروج من السيارة بعدما لامت نفسها على كل شيء بدءا من حضور المؤتمر نفسه وحتى فتح الكبوت أمام عامل غريب في بنزينة قذرة كهذه، ولما وصلت أمام السيارة وجدت انها واقفة بجوار العامل لترى ما يشير إليه على أنه مشكلة في المحرك وهو لا يفصله عنها سوى مليمترات قليلة، وعندها دوى انذار داخلي في عقلها نفض عنها آخر غلالة من غلالات النوم وأيقظها على سؤال:"ترى هل فات الأوان على أن ابدأ بالصراخ؟ ترى هل يجدي الصراخ أصلا في حالتها هذه؟" عندها أمسكها العامل من ذراعها بشدة وهو يقول بصوت عال:"عربيتك محتاجة ونش تعالي معايا المكتب نخلص الإجراءات." ثم سحبها من ذراعها نحو المكتب وهو يقول بصوت منخفض:"تعالي معي فيه خطر شديد على حياتك." ثم دفعها داخل المكتب وهو يقول بانفعال:"فيه راجل متلثم راقد في كنبة عربيتك" لم تسمع هدى الكلام أو بالأحرى سمعت ولم تفهم كان كل تفكيرها محصورا في كيفية الخروج من المكتب وعندما اتجه العامل نحو التليفون الموضوع على المكتب وهو يقول:"أنا هتصل بالشرطة" توجهت هدى فورا نحو باب المكتب وفتحته بسرعة وهو تجري نحو سيارتها ثم فتحت باب السيارة وأدارت المحرك وانطلقت بها على الطريق ومازال غطاء المحرك (الكبوت) مرفوعا أمامها فلا ترى أي شيء.
بعد بضعة مئات من الأمتار توقفت هدى على جانب الطريق في مكان مظلم لكنه بالتأكيد آمن عن البنزينة القذرة التي كانت بها منذ ثوان، ثم فتحت الباب لكي تنزل وتضع غطاء المحرك (الكبوت) في مكانه ولكنها لم تنزل ابدأ من السيارة فلقد عاجلها الرجل الراقد في الكنبة الخلفية لسيارتها بطعنة في كتفها جعلتها تصرخ من الألم والذهول والرعب.
بعدها بثلاثة أيام وجدت جثة هدى مقطوعة الرأس في الصحراء بعيدا عن الطريق، لم يتم القبض على القاتل سوى بعد خمس سنوات من هذه الحادثة، والسؤال هنا من مننا يهتم بالنظر في الكنبة الخلفية لسيارته قبل أن يستقلها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق