الخميس، 9 ديسمبر 2010

نحن لا ننسى الذكريات


طوت المنديل على الورقة ثم وضعتهما بالكتاب و وارته في خزانة الثياب بين ملابس الصيف , كان الوقت ليلا من شتاء (1971) و نسمة من هواء الشارع تهب على الغرفة , آتية من النافذة التي طالما وقف تحتها يناجيها ويبادلها كلمات العشق والهيام أيام عشقهم الأولى , والآن وبعد ذهابه بغير ما رجوع  كانت في تلك اللحظة ولأول مرة منذ رحيله , تتحسس روحها من دون وجود فارسها الأوحد , والذي ذهب فداء للوطن  , فلقد عودها دوما على وجوده , عودها على حضوره في كل شيء وكل ركن وكل فكرة بل كل حرف تنطق به , لكن دوام الهناء هو ضرب من ضروب الأحلام , وها هو حلمها قد تهاوى وتهاوى في إثره صرح هنائها الشامخ  ,أحقا لم تكن تقوى على الحياة من دون من يحبها وتحبه , هكذا ظنت بعد رحيله , ولو كانت تدري عن نفسها أكثر لعرفت أنها في ظنها ما أخطأت , ولكن أيضا لم تصيب.. فهي ما اشتاقت  لحب  أحد  إلا حبه ,  ولا تريد الآن سماع صوت إلا صوته , بل لو علمت عن نفسها المزيد لعرفت أن  الصوت  الذي  يتردد  في  جنبات  قلبها  الآن  هو  صدى لصوته و ...
 ( لن تظل حبيسة الذكريات ) هكذا فكرت للحظة, ثم أدركت كيف أن عكس هذه الفكرة هو ما تحسه وتشعره وتعيش فيه الآن , تتجمع الدموع في مقلتيها مع مرور الذكرى بعقلها , توقن بأن ما عاشته معه من سابق الأيام ليس وهما ولا حلما , بل حقيقة .. حقيقة ماثلة أمامها الآن تذكرها به و تواسيها لفقده على هذا النحو الذي ما كان محسوبا ولا مرغوبا , تذكرها أيامها السابقة معه أن ما كان من الحب لا تستطيع أن تمحوه الأيام , بل ما كان معه من الحب هو الأيام و الأحلام  .. أجمل الأحلام , تذّكرها حقيقة حبه أنه عندما ذهب , ذهب وهو يحب وواجبها تجاهه هو أن تحافظ وتصون هذا القلب من أن يحب سواه , أن يذكره دوما ولا ينساه , أنه حتى وإن أحب وأخلص لغيره , فليبقى بجزء صغير منه ذكراه , عند هذه اللحظة سالت دموعها على الخدين , و مالت تحتضن الوسادة , فهي أيضا جزء من ذكرى .. ذكرى من ذهب ليس بإرادته و إنما لبى النداء , وما بحياتنا أشياء تسمو فوق معنى الحب سوى النداء نداء الواجب والفداء , زاد نحيبها وعلا الصوت ثم اعتدلت في هدوء وخفضت من صوتها عندما تذكرت أنه لو كان هنا الآن ما كان سيحب ما تفعله الآن , بل كان سيقول ببساطته المعهودة ( اصبري .. وما صبرك إلا بالله ) ,وعند هذه الخاطرة قامت من مكانها إلى خزانة الثياب فتحتها و دست يدها بين الثياب الصيفية , مستخرجة الكتاب وبه المنديل  بقلبه  الخطاب  قرأت آخر فقرة  مرة  أخرى   " أعرف أنك أقوى مني .. وتعرفين أنه نداء الفداء , أعرف أنك تفتقديني مثلما أفتقدك .. وتحبينني أكثر مما أحبك , وأعدك سنتلاقى يوما فاصبري , اصبري وما صبرك إلا بالله " ثم مرة أخرى أجهشت بالبكاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق